يجري بنكيران وحيداً كأنه يريد مواجهة الجميع، سبّ الجميع، مهاجمة الجميع، والأكثر من هذا، إعطاء الدروس للجميع، وضرب مثلِ المثالية بثلّة من أعضاءِ حزبه الذين "گردَعتهم" الانتخابات الأخيرة، وولايتيّ التسيير السابقتين.
يعتقد بنكيران وهو يخاطِب أعضاء حزبه في اللقاءات الأخيرة التي أضحى يعقِدها بآنتظام كبير، وكأنه يريد قولَ كل شيء قبل انتهاء ولايته على رأس حزب العدالة والتنمية، -يعتقد- الرجل بأن مكانَته لدى المغاربة لا زالَت محفوظة، والأمر يستدعي كثيراً من التدقيق.
فبنكيران لم يعد هو بنكيران، والبيجيدي لم يعد هو البيجيدي، والحقيقة أن بنكيران لَم يتغيّر نحو الأسوَء، لكن خطابَه أصبَح يوحي بذلِك، ومكانتَه لم يمسّها التسيير، لكن دمرّها لِسانُ الرجل. فالحديث في كل شيء أصبَح غير ذي معنى، والعودة بالمتلقي إلى نوسطالجيا الخطيب وآدريس البصري، لا يمكن أن يعود بها البيجيدي صوتاً للمغاربة.
العدالة والتنمية كان حزباً للمغاربة، محتضناً لجزءٍ كبير منهم، وبنكيران كان صوتاً لشريحة كبرى من المغاربة، ولَن يخفى على أحَد بأن مواقِف بنكيران في فترة الربيع العربي لعِبت دوراً في استقرار المملكة السعيدة، ولَن ينسى أي أحدٍ بأن المغاربة لم يلتفّوا في تاريخهم حول سياسيٍ كما التفوا حول بنكيران، ولا أحد سيُغفِل بأن ديمقراطية بنكيران في فترة البلوكاج انتصاراً للديمقراطية هي السبب الأصلي لتحييدِه من رئاسة الحكومة.
بنكيران رمز مرحلة سياسي ولَّت، تمكّن فيها من الوصول إلى رئاسة الحكومة لأنه كان يواجه الفساد السياسي، أما سقوطه اليوم في منحدَر مناقشة الصحافيين والجنس وروتيني اليومي، فقد حوّله لشبهِ "يوتيبر" يمارِس سياسة الظهور من أجل مواجهة طواحين الهواء. تلك الطواحين التي يكفي أن تواجهها طواحين أخرى، لا رئيس حكومة سابق ينبغي فيه أن يواجه تغوّل السلطة وأعطابَ الحكومة.
ما يحتاجه المغاربة اليوم من "ولد ديور الجامع" هو كثيرٌ من الصمت عن الدين، وكثير من الكلام عن السياسة، لأن ما يهم مواطناً يقطُن في دوّار العبايات مثلاً بإقليم سيدي سليمان هو الكثير من الماء والبنية التحتية، لا كثيراً من الحديث عن سِروال صفيّة الممزقّ وعلمانية الدولة الوهمية.. خصمُ بنكيران يجِب أن يكون هو أخنوش، لا شخصين اختارا ممارسة الجنس رضائياً دون الحاجة للمثول أمام وكيل الملك.